مكتسبات باديسية و نكسات باريسية

الشيخ عبد الحميد بن باديس



ما تركه الشيخ العلامة بن باديس و جمعيته من بعده من أثر و مكتسبات في الجزائر كان يمكن ان يكون قاعدة انطلاق صلبة نحو اقلاع حضاري شامل للأمة الجزائرية و ان كان المقام لا يسع لذكر كل المكتسبات و احصائها الا اننا يمكن ان نصنف أغلبها ضمن عنوانين كبيرين أو مكسبين كبيرين

الأول هو الفصل و التمايز البائن في أمر هوية الجزائرين 


-------
( ان هذه الامة الجزائرية الاسلامية ليست فرنسا ، و لا يمكن ان تكون فرنسا ، و لا تريد ان تصير فرنسا ، و لا تستطيع ان تصير فرنسا و لو ارادت ، بل هي امة بعيدة عن فرنسا كل البعد ، في لغتها و في أخلاقها و في دينها ) - بن باديس
-------


مكسب كهذا - عندما تعرف نفسك و تعرف عدوك - يمكن اعتباره الدافع الأكبر للجزائررين نحو الاستقلال و التحرر و الطموح نحو بناء أمة معتزة بنفسها لا تتبع أحدا


و الثاني هو محاربة البدع و الخرافات و الشبهات في الدين ، و آثار الشيخ في الجزائر تشهد عليها الجغرافيا قبل التاريخ - فقد نشط رحمه الله بالشرق الجزائري أكثر و كلما توجهت أكثر نحو الغرب في الجزائر كلما زادت تركيز متبعي البدع و الخرافات و الطرقية و الايمان بقدرة غير الله على النفع و الضرر

و كما هو معروف تاريخيا أن فرنسا لما يئست من تنصير الشعب الجزائري توجهت نحو تجهيله و نشر الخرافات و اشاعة البدع و افساد دين الجزائريين - و مما يرويه لي أحد الاصدقاء عن جده أن من اساليب نشر البدع التي اتبعها الاحتلال الفرنسي في الجزائر هو ترسيخ قدرة الولي الصالح ( الميت ) على فعل ما لا يستطيع فعله الا الله في اذهان عموم الشعب ، الشعب الذي مورست عليه كل انواع التجهيل قبل ذلك فمثلا يأتي عدد من الجنود بأحد المحكوم عليهم بالاعدام من الجزائريين ل يعدموه على مرأى الجميع و يختارون عمدا مكانا قريبا من ضريح أو من قبة لولي من الأولياء - ثم أثناء تنفيذ الحكم يبدأ الجنود بالارتعاش و الخوف و الارتباك ثم يلقون اسلحتهم و يفرون مكررين عبارة (LE WALI ) الولّي - فيظن كل من حضر أن الولّي هو من انجا هؤلاء المحكوم عليهم و للأسف لم يكن موجودا منهم اصحاب علم فانتشرت تلك الخرافات بكثرة و بقوة - فالحمد لله حمدا كثيرا على تسخير هذا العظيم عبد الحميد بن باديس و هذه الجمعية المباركة جمعية العلماء المسلمين الجزائرين لمقاومة تلك الخرافات و محو الــــكثير من مظاهرها في المجتمع الجزائري - جزاه الله عنا و عن الجزائريين كل خير لأن في هذا الأمر اصلاح لدين الجزائريين بابعادهم عن الشرك و أشكاله و اصلاح لدنياهم بتحررهم من قيود الخرافة و الدروشة و تحقير العقل


و كما ذكرت آنفا يمكن اعتبار هذين المكتسبين قاعدة انطلاق صلبة جدا نحو تطوير الجزائر و السمو بالبلد نحو آفاق عالية جدا ، فالأمة الفاصلة في أمر هويتها هي أمة قوية و الأمة المتحررة من الخرافات و البدع أمة متنورة ترى الخط الفاصل بين العلم و الخرافة بوضوح - أو هكذا يفترض- و التحرر من البدع و الخرافات ، فضلا عن اصلاح أمر الدين يذكرني بتحرر أوروبا من التبعية للكنيسة و رجالها المهرطقين الانتهازيين و اقلاعها نحو نهضة علمية سمت بالانسانية سموا كبير .



بعد ماقيل يحق لنا أن نسأل ... أين نحن من كل هذا ؟ أين نضع الجزائر بين الأمم ؟ من العنوان ربما يظهر انني ألوم باريس ، نعم صحيح أسهل شيئ ان تتهم عدوك بكل شر لحق بك ، لكن لا لوم على عدو ألحق بك أذى مادام انه عدو - فالشر في الجزائر و في افريقيا و ان كانت باريسيا عابرا للقارات لكن ما كان أن يضر بنا لو لم يكن المتحكمون في أمر بلدنا من بني جلدتنا هواهم باريسي كذلك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق