قبل سنوات فاجأني صديق لم يكن متديّنا و لا مهتمّا بالتدين بكثرة أسئلته حول الاسلام و الشريعة و العلاقة بين الاسلام و الأديان الاخرى ، كنت اجيبه بما أعرف فأجده يزداد فضولا و تزداد اسئلته . استمرّ الأمر هكذا لأيام ، كثير من الأسئلة و ساعات من الحديث و كثير من التصفح في الكتب و المواقع دون أن ينعكس ذلك النّهم المعرفي على سلوكه و تديّنه .
سألته مرّة ما سر هذا التحول الكبير في الاهتمامات و الأولويات فقال لي أن كثير من تعاليم الاسلام "صعبة" و أن الغرب يحمل صورة مشوهة جدا عن الاسلام ومثل تلك التعاليم لن تُقنعه بقبول الاسلام ههه فاكتشفت أنها حكاية "عشق الكتروني" فصارحني أنه تعرّف على فتاة أمريكية عبر الأنترنيت و أعجب بها و أعجبت هي به ، و بعد أن اخبرها بأنه مسلم اكتشف أنّها تحمل صورة سئية عن الاسلام فكان يبذل كل تلك المجهودات فقط ليُظهر لها أن فكرتها خاطئة و أن الاسلام ليس كما تعرفه هي و قد نجح -حسبه- نسبيا في تغيير كثير من قناعاتها قبل أن يصارحني مرة اخرى بأنه لم يعد يريدها بل تعرّف على فتاة اخرى -عبر النت كذلك - و لكنه يجد نفسه في كل مرة يرجع الى الأمريكية الأولى ليحدثها عن الاسلام و حقيقته و صار كل أحاديثه معها حول هذا الموضوع بينما الثانية التي اصبح يُريدها -حسب قوله- فيحدثها في مواضيع متعددة لانه وجد انها تتقبله كما هو .
قلت له ... ربي يعاونك صديقي ولكن لماذا تبذل كل تلك المجهودات لتثبت للآخرين أن اسلامك جيّد و لا تبذل عُشر هذا المجهود لتثبت لنفسك أنك جيد في الاسلام ؟ طبعا احرجه السؤال و "دوّرلي" الموضوع الى كرة القدم هههه
ــــــــــ
في الحقيقة دفاعه عن الاسلام لم يكن بدافع الغيرة عن دينه بقدر ما كان دفاعا عن نفسه لأنه "مسلم" ، و لان قبول الاسلام من الآخر يجعله مقبولا عند هذا "الآخر" .
هذا الأمر الآن اصبح واقعا نعيشه في كل المجالات عند كل من يمتلك ذرة انتماء للاسلام فتجده لا يستطيع أن يتنّصل من دينه أو أن يتبرأ منه و في نفس الوقت يريد يؤنس نفسه بقبول "الآخر المرغوب" لدينه و بدلا من اظهار الاسلام و تقديمه على حقيقته تجد كل واحد يقدم الاسلام "للآخر" بالطريقة التي تجعل هذا "الآخر" يقبله حتى و لو قدّمه بطريقة مشوهة "متخاذلة" تماما كصديقي الذي حدثتكم عنه و الذي بقي لأسابيع يبحث عن آيات أو أحاديث تنفي حقيقة ان الاسلام يبيح التعدد في الزواج لأن الصديقة الامريكية التي فاتحته في هذا الموضوع يستحيل أن تتقبل دينه الذي يبيح هذا الشيئ .
و هكذا ...
الرجل الذي لا يستطيع التبرؤ من تدينه يُظهر أن اسلامه (كوول) و المرأة التي لا تستطيع ان تتحجب تُظهر أن "الصح في القلب" بالنسبة للاسلام و السياسي الذي يريد رضا الغرب يُظهر أن الجهاد ليس من الاسلام و الشاب المتدين الذي يُريد الاندماج في بيئة "ممتعة" يُظهر أن الاسلام متسامح مع الميوعة و صديقي الذي يريد الأمريكية يظهر أن التعدد ليس من الاسلام .... الخ
و لكن ماذا لو يعمل الجميع على اظهار كم هم جيدون في اسلامهم اكثر من عملهم على اظهار كم الاسلام جيد (بمقياس "الآخر") ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق