العلمانية الرّاقية !



من السلبيّات المتأصلة في  العلمانيين أو "المتعلمنين" عندنا  أنهم وجّهوا أنفسهم ووجدانهم  و مشاعرهم و جهودهم نحو البحث عن عيوب و عورات  المتمسّكين بالدّين من بني جلدتهم ، فيتهمون الداعين الى التمسك بالاسلام بالمتاجرة بالدين ثم ينتقلون الى المتدينين  من عامّة الناس فيتهمونهم بالسطحية و الغوغائية و التبعية،  وهذه العيوب التي يبحثون عنها منها ماهو موجود فعلا فيضخمونها و يبرزونها  و ينفخون فيها و منها ما هو غير موجود  فيختلقونها و يتوهمونها  الى درجة أنهم جعلوا من هذا الأمر شغلهم الشاغل  بل تعداه عند بعضهم  الى ان أصبح محورا لحياتهم  ، يحدث هذا عندنا للأسف و هم على  عكس علمانيي الغرب الذين وجهوا جهودهم و أحاسيسهم و ضمائرهم نحو تطوير مجتمعاتهم و تحسينها وأقول هنا عن قناعة أنه لولا العلمانية و تخلص النصارى من قيود الكنيسة لما تطور الغرب و لما وصل الى ما وصل اليه و لكن هل ينطبق الأمر علينا كمسلمين ؟

في اوربا ، المشكلة لم تكن في رجال الدين "الأقوياء"  المتسلطين الذين يريدون بسط نفوذهم على كل مجالات الحياة ،   بل كانت في الدين الضعيف الذي أضعفه سلفهم بالتجرؤ عليه بالانتقاص و الزيادة و التحريف و التشويه الى درجة ان وصل الى منافاة العقل ( الانجيل ) ، فهل ينطبق الأمر على قرآننا ؟ 
كثير من المتعلمنين في بلادنا يتجرؤن بكل راحة ضمير على كل شيوخ الدين وو يضعونهم في سلة واحدة  و يحملونهم كل مصائب المجتمع بل و يتجرأون كذلك على ماجاء في السنة فتجد منهم من يستهزئ بأحاديث ثبتت صحتها و سندها عن النبي صلى الله عليه و سلم  وفق قواعد علم الحديث و حجتهم في ذلك أن النبي لا يمكن ان يقول  بعض مالم يتوافق مع هواهم ،  خاصة و ان ناقلي تلك الاحاديث هم من البشر و قد يخطئون و ينسون و يلفقون و يكذبون . وأخال أن هؤلاء  لو وجدوا منفذا ينفذون منه الى التشكيك في القرآن لفعلوا و لكنهم لا يفعلون ،  ثقة في قرارة أنفسهم  ان ماجاء في القرآن هو الحق من عند ربهم و لكنهم يكابرون ، فهل سيرتاح ضمير أحدهم بالتجرؤ على ما جاء في القرآن  و مما جاء فيه  أن الانجيل محرّف ؟   فانكار تحريف الانجيل هو انكار للقرآن ذاته و التسليم بالقرآن هو تسليم بتحريف الانجيل فهل يجوز الاسقاط الذي يحاول المتعلمنون جرّنا اليه ؟ و الذي مفاده أن من  اراد  التطور و الرقي  من المسلمين  فليتخلص من قيود الدين الاسلامي "السليم" و الذي وصلنا كاملا تامّا ، تماما كما تخلص الغرب من قيود الدين المسيحي "المحرف" و الذي وصلهم بالزيادة و النقصان و مناقضة العقل ؟ 
و اذا سلمنا أن الله خلق لنا عقولا لنستخدمها و نفكر بها  كما يأمرنا في قرآنه  (أفلا تعقلون - افلا يتدبرون - افلا تعقلون - أفلا تبصرون - أفلا تنظرون ... )  و كما يدعوننا هم دائما اليه ،   هل يمكن لهذا الإله أن يفرض علينا دينا ينافي هذا العقل ؟ 
ثم  اذا قرأنا القرآن وجدناه يتجدث عن كل شيئ في حياتنا ، بداية بالعقيدة و السياسة و الحكم و الحرب و الاجتماع و الأسرة  و انتهاء بالطهارة و التيمم بل و حتى الجماع  ،  فهل يجوز أن نغلق على كل هذا بين جدران أربعة في مسجد أو دير لأن المتعلمنين لا يرون للدين دورا خارج المساجد ؟

ثم لماذا التطرف في  نبذ  بعض تصرفات المسلمين أو اتهامهم بالتخلف و الرجعية و الارهاب فقط  لظهور شيئ من العصبية أو  العنف  في تصرفاتهم  في مقابل  التفنن في مدح نهضة الأروبيين  و  التغني  بما وصلوا اليه من تحرر و رقي الى درجة  الملائكية 
ولأن التاريخ لا يجامل أحدا  أضرب  مثالا  هنا عن الثورة الفرنسية
الثورة الفرنسية في مقياس المتعلمنين هي أرقى و أعظم و أكبر ثورة و هي ملهمة جميع الأروربين و دافعتهم نحو التحرر و المثال هذا مفيد جدا لأن  من ابرز نتائج تلك الثورة هو  الفصل النهائي للدين عن الدولة  ،و  ربما نفس القناعة يتقاسمها كثير من الغربيين  ، لدرجة أنك بمجرد ان تكتب كلمة ثورة بأي لغة في محرك غوغل لأقترح عليك مباشرة  الثورة الفرنسية كأول اقتراح  
و لا شك أن لا أحد من "أشراف"  العلمانية عندنا   يخفى عليه تاريخ "منبر"  كهذا ،   فهذه الثورة  "المنيرة"  التي قامت  لتُرسي مبادئ الأخوة و الحرية و المساواة  يجب أن تلهم الجميع  .
ولكن سؤالا  ربما لم يسأله أحدا نفسه من قبل   ... هل يوجد في العصر الحديث ثورة أكثر دموية و كراهية و انتقامية بين أبناء العرق الواحد من الثورة الفرنسية  ؟   فمبدأ "الأخوة" لم يمنع حدوث ما حدث  . و فرنسا المتحررة في نهاية القرن الثامن عشر تحتل في بداية القرن التاسع عشر    نصف العالم بالقوة ( ومنهم شعوبنا التي ينتمي اليها هؤلاء )  و مبدأ "الحرية" لم يمنع حدوث هذا  !   ثم تأتي فرنسا الراقية  و تمتهن شعوب تلك الدول و تذلهم و تحملهم على تغيير لغتهم و دينهم بالقوة ثم تستخدم الواحد منهم كعبد أو ربما كخماس ان كان محظوظا و قد يكون  جد أحدهم من هؤلاء ،  ممن لم تتساو بشريتهم مع بشرية العرق "الراقي"  ،  ومع هذا  لم بشفع مبدأ "المساواة" لهؤلاء  و لم يمنع حدوث هذا  .   فعن أي رقي يتحدثون  ويتوهمون  ؟ 
و ان سلمنا بما جاءت به هذه الثورة من خير  على اصحابها فإن هذا الخير كان حكرا عليهم وحدهم  ، على حساب بشر آخرين ، فطريق تحضرهم كان  وبالا و تحطيما للآخرين و لم تقم لهم قائمة الا بما اغتصبوه من موراد بشرية و طبيعية بهمجية و بربرية أسوأ مما  ينكره علمانبونا  على بني جلدتهم  الآن
و ما نراه اليوم  من سوء في المسلمين قد  يتمتع المتعلمنون بذكره و نعتهم به  ، أغلبه نتيجة لقرن أو يزيد من الاستعمار و الاستدمار و التجهيل و الاستحمار و الاستركاب و النهب و الاستحلاب  ، سببه "رقاة" الغرب العلمانيين و نتيجته  رقي  ماديّ هناك و دمار هنا

 بالتأكيد سيسعدهم  ان لا يصنفهم  الاوروبيون "الملائكة" المتحضرين  مع بقية هذه الشعوب المتخلفة البهائمية فيتخذون تلك المواقف  ، لكن هل  يظن أحدهم أن بمواقفه تلك سيظهر راقيا ؟  لا والله بل  سيصنف كل ذلك   في باب تأثر المغلوب بغالبه و تقليده له  و ربما استرضائه  و حسب قانون علم  الاجتماع  الذي يتفق عليه العرب و العجب و يتفق عليه المتقدمون و المتأخرون  أن من موانع تطور الشعوب  هو فقدان انتمائها وهويتها و عصبيتها ( العصبية الايجابية )  ثم  التأثر العميق و الأعمى  بالغالب   ، و لكن ماعسانا نفعل وهذا طبع البشر ؟ فمهما تغير الحال سيبقى أمثال هؤلاء موجودون بيننا  الى ان يظهر الحق أبلجا.